المفهوم الرابع:
الشجاعة، ولا أقصد بالشجاعة تلك الصفة الفردية فقط بما لها من تطبيق محدود، بل أعني مواجهة أزمة الإرادة في الفرد والجماعة والأمّة، ففي كثير من الأحيان لا يواجه الفرد أو الأمّة أزمة معرفة؛ لأنّ الأمور واضحة، بل يواجه أزمة إرادة وأزمة شعور بالخمول اللامتناهي، إنّها أخلاقيات الهزيمة أو موت الضمير كما كان يسمّيها السيد محمد باقر الصدر، عندما تتغلغل في الأمّة تنهي أمرها إلى الأبد، فكلّ واحد يرصد مصالحه ويبني علاقاته تبعاً لها، وعندما تتشابك العلاقات يصعب عليه الفرار من قبضتها.
إنّ شجاعة الحسين وأصحابه وأهل بيته سلام الله عليهم تكمن في وجود إرادة وسط إحباط عام في الأمّة، هذا موضوع جادّ، الحديث عن خلق إرادة وسط مناخ إحباط وخمول وتكاسل عامّ شيء مهم للنهوض، وشيء ليس بسهلٍ أبداً، وهذا هو ما يقوم به المصلحون عبر التاريخ. ألا يمكنني بهذه الثورة العظيمة أن أعيد إنتاج مفهوم الإرادة المقدّسة والحديث عن مكوّناته وكيفيات صنعه وتأثيراته ونتائجه وغير ذلك؟! بالتأكيد يمكن ولديّ الكثير من المواد التاريخية الخام في هذه الثورة التي تساعدني في توظيفها لهذا الغرض الشريف.
هنا يظهر مفهوم «قلوبهم معك وسيوفهم عليك» أو مفهوم «قلوبهم معك وسيوفهم في أغمادها»، حيث تهيمن ثقافة التثبيط بلغات متعدّدة، يقولون لك: لا فائدة من العمل؟ أمّة لن يصلح أمرها؟ شعوبنا لن تستجيب؟ لن تجرّ سوى الويلات على نفسك والنقد والتجريح والهجوم والاعتداء. هذه هي نفس الثقافة التي احتواها الحوار التاريخي بين الإمام الخميني وأحد العلماء البارزين رحمهما الله، وعلى أبعد تقدير يتكلّم المثبّطون بلسان الحرص على الحسين عليه السلام: لا تخرج فإنّك مقتول، لا تخرج فسوف يغدر بك أهل الكوفة، لا تخرج...
المفهوم الخامس:
صدق الولاء أو السلامة الأخلاقية للانتماء، هذا موضوع ضروري جدّاً، فقد رأينا الكثير من الحركات الدينية وغير الدينية كيف عانت من النفعيين والوصوليين في صفوفها، ورأينا كيف يمكن للشخص الضعيف أن يحرف ولاءه من جهة إلى جهة ثانية تحت ضغط الواقع والمصالح الخاصّة. إنّ تجربة أصحاب الحسين وأهل بيته عليهم السلام تعطي درساً رهيباً في صدق الولاء، ليس بمعنى التضحية فقط، بل بمعنى أنّني عندما أنتمي لفكر أو عقيدة أو مدرسة أو تيار ما في الدين أو الاجتماع أو السياسة فإنّني صادق الولاء سليم الانتماء، وهذا يعني أنّني مخلص لهذا الاتّباع الواعي، ولست وصولياً أو متخلّياً في لحظة حسّاسة عن ولائي هذا.
إنّ صناعة مجموعة مخلصة يبقى ضرورة عظيمة لقيامة أمّة ونهضة وكيان، فما لم تكن هناك مجموعة مخلصة صادقة فإنّ السواد الأعظم يمكن أن تضيع به السبل عبر تحريكه بأيدي المنافقين والوصوليين. إنّ الحركة الإسلامية والنشاط الديني معنيٌّ اليوم بصنع الصدق في الولاء؛ لأنّ هذا الصدق الذي يقوم على مجموعة مفاهيم عقدية وإيمانية وأخلاقية وتربوية يمكن أن يشكّل ضمانة سلامة المسيرة وعدم انحرافها في المستقبل، وهو ما تستطيع السيرة الحسينية أن تساهم في زرعه في الثقافة الاجتماعية العامّة.
المفهوم السادس:
الصبر وعدم استعجال النتائج، فكثير منّا لا يصبر للوصول إلى الهدف، وكم من مشروع أجهضناه لأنّنا لم نعطه الوقت الكافي والطبيعي لكي يُنتج ثماره، فحالنا حال مزارعٍ جاهل قطع أشجاره في الشتاء؛ لأنّها لم تثمر، ولم ينتظر إلى الربيع أو الصيف كي يرى الثمر الطيّب. نحن عجولون، نحرق المراحل ونستعجل النتائج وإلا أصبنا باليأس والإحباط، ونحسب أعمار الشعوب والأمم على عمر الفرد العادي، فالفرد العادي يحتاج لعشرين سنة حتى يصبح في عنفوان شبابه، لكنّ الأمم قد تحتاج أحياناً لخمسين أو سبعين سنة أو أكثر حتى تصل إلى هذه المرحلة.
إنّ ثورة الحسين عليه السلام تعلّمنا أنّ النتائج قد لا تكون في حياتك، بل قد تكون بعد رحيلك. إنّها تعلمنا أحياناً أنّ رحيلنا مقدّمة لتغيّر الأوضاع، وأنّ ثورةً وقعت في 61 هـ آتت ثمارها بعد عقود وما تزال. يقولون بأنّه عندما سئل الإمام الخميني: كيف يمكن لك أن تسقط الشاه؟ وهل لك بهذا طاقة وقوّة وفرصة ووقت وأنت في هذا العمر؟ قال بكلّ هدوء: إذا لم أوفّق فسيأتي الجيل اللاحق ليكمل المسيرة.
هذا مفهوم بسيط لكنّه منتج وناهض، نحن العرب بالخصوص مصابون ـ كبني الإنسان ـ بالعجلة، نؤسّس مشروعاً ونريد نتائجه في الغد. نفكّر بطريقة التاجر الذي يربح في صفقة واحدة، ولا نفكّر بطريقة العامل الذي يربح بالتدريج. هذه كلّها مفاهيم معطّلة ومعيقة للنهوض، ويمكن للسيرة الحسينية اليوم أن تساعدنا على تفتيت هذه المفاهيم من وعينا الاجتماعي، وخلق نفوس قويّة صابرة غير مستعجلة، تسير ببطء متواصل بدل أن تسير بعجلة متقطّعة. إنّ خطابات السيدة زينب فيها ما يشير إلى المستقبل، وأنّ القضية ليست في هذا النهار فقط، وإنّما في المستقبل الذي ننظر إليه بعيون أخرى.
المفهوم السابع:
مفهوم الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الاجتماعي والسياسي العام، كما جاء في خطبة الإمام الحسين عليه السلام التي حدّد فيها أهداف الثورة والخروج، وليس إبقاء الإصلاح في إطار الفرد، ولا حصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار التدخّل لمنع أغنية يضعها سائق أجرة في سيارته أو شعر من مقدّم الرأس يظهر من امرأةٍ في الطريق.
إنّه تحويل مسارات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثقافة مفهوم الإصلاح من الأبعاد الفردية إلى الأبعاد العامّة المجتمعيّة، إلى الإعلام والثقافة والتربية والتعليم والسياسة والاقتصاد والظلم الطبقي وسوء الاستهلاك وتبديد الثروات وغير ذلك. لقد كان هذا هو الخلاف بين الإمام الحسين وبعض الصحابة في عصره. وعندما تفكّر الأمّة ـ بقواعدها ونخبها ـ بهذه الطريقة فيمكن لنا أن نتصوّر النهوض والبناء والقيامة، أمّا لو حصرنا الوظائف بالنمط الفردي وتخلّينا عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح العام في المجتمع، ودخلنا في نهج اللاأبالية فلن نتمكّن من الإمساك بزمام أمورنا يوماً.
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد منير الخباز القطيفي
السيد جعفر مرتضى
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
الشيخ علي الجشي
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
سبب تخلّف ابن الحنفية عن أخيه الحسين (عليه السلام)
في أي سنّ يستطيع الطفل ربط الأشياء بأسمائها حتى لو لم يسبق له رؤيتها؟
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (3)
يوميّات الإمام الحسين (ع) في كربلاء (2)
كيف نستفيد من عاشوراء؟ (2)
إلّا الحسين (ع)
حملة التّبرّع بالدّم (وبها نحيا) بنسختها الخامسة
الأدب الحسينيّ، المناخات الفكريّة والثّقافيّة، محاضرة للشّيخ محمّد أبو زيد خلال إحياء عاشوراء في القطيف
كيف نستفيد من عاشوراء؟ (1)
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}