إنَّ أهميّة الأخلاق في الإسلام ممّا لا شكّ فيه، لأنه - مضافاً على ركنيّته في الإسلام في عرض العقائد والأحكام - أسباب صلة الإنسان بربّه الكريم، وإنَّ هذه الصّلة هي الغاية المتوخّاة من أصل وجود الإنسان، لأنه أعظم الكمالات وأتمَّها، ولا يكمّل الإنسان - كماله المقدَّر له – إلّا إذا سار على الخطّ الّذي رسَّمه اللَّه تعالى له في تشريعه العظيم والسبيل الّذي جهد الأنبياء وأوصياؤهم وتابعوهم في الأُسرة والأحوال الشخصيّة بعموم، أَم في الاقتصاد، أو السياسة وغير ذلك ممّا يحتاج إليه، لا يتمّ إلّا بالطريقة الأخلاقيّة الّتي تتبنّاها هذه الشريعة القويمة.
ونستطيع أن نفهم ذلك من أمثال قول الرّسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم «إنّما بعثت لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق» «1». هذا ولو كان شىءٌ أعظم عند اللَّه من الأخلاق لاختصّ به نبيّه العزيز، سيّد الكائنات وأشرف الخلائق حين أثنى عليه في كتابه، فقد أظهر أهمّيّة الأخلاق وقيمتها حين امتنَّ على رسوله الكريم بقوله «وَإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظِيم» «2».
وبما أَنَّ علم الأخلاق من العلوم الّتي تهتمّ بالإنسان ودراسة أحواله المختلفة وما يتّصل بذلك من معارف وعلوم أخرى، يبحث عن الفضائل وكيفيّة اقتنائها وجعل النّفس تتحلّى بها، ويبحث أيضاً عن ما يقابلها من الرذائل وكيفيّة توقّيها وجعل النّفس تنفر عنها، ممّا له أثر كبير في تطبيق شرعة الدّين الحنيف وما يتّصل بذلك من معالجة المظاهر الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة المختلفة. ومن ثم تكتسب الأخلاق أهمّيّة فائقة في ديننا الإسلامي الأصيل، سيّما وإنَّ رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يُعد المعلِّم الأوّل للأخلاق والمثال الّذي يقتدى به، قال تعالى «لَقَد كَانَ لَكُم فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَاليَومَ الأَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيِراً» «3».
وكذلك كان الأئمة الهداة عليه السلام من بعده نماذج حيّة زيّنت صفحات التاريخ الإسلامي بالأخلاق القويمة والسيرة الرشيدة الفاضلة، الّتي تحكي سيرة جدّهم صلى الله عليه وآله وسلم ولا ريب في ذلك، لأنه قال تعالى: «إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَّهِرَكُم تَطهِيراً» «4».
وممّا يؤَسّف عليه أنّه مع أهمّيّة هذا العلم وما له من تأثيرات إيجابيّة في تهذيب النّفس وتقويمها تكاد حوزاتنا العلميّة والمجامع الثقافيّة تخلو من هذه الدراسات البنّاء ، ويكاد يكون الاهتمام بهذا العلم مفقوداً، بل صار هذا الفنّ الفريد في عصرنا الحالي يتيماً مجهولًا، ولقد أجاد أبو حامد الغزالي في مقدّمة «إحياء علوم الدين» حيث يقول: «فأمّا علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح ممّا سمّاه اللَّه سبحانه - في كتابه: فقهاً وحكمة وعلماً وضياءً ونوراً وهدايةً ورشداً، فقد أَصبح من بين الخلائق مطويّاً وصارَ نسياً منسيّاً» «5».
ومع انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران الإسلامية، أضحى الاهتمام بهذا العلم كأحد العلوم الأساسيّة الّتي أوّلتها الثورة الإسلاميّة جانباً كبيراً من الأهمّيّة. لأَنّ ثورة شعبنا المسلم المظفرة لم تتناول تغيير الجوانب المادّيّة فقط بل تغيير النهج الثقافي والتربوي والبنيان الفكري الأخلاقي هو الغرض العظيم الآخر في ظلّ هذا التحوّل العميق.
ويعدُّ قائد الثورة الإسلاميّة الكبير، العارف الفقيد، السيّد الإمام الخميني (أعلى اللَّه كلمته ودرجته) مثالًا للأخلاق الكريمة في عصرنا هذا، قال تعالى: «إنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ» «6». بل وإنّه قدس سره من أعظم أساتذة هذا الفنّ وأجلّهم في هذا القرن، جزاه اللَّه تعالى عن هذا العلم خير الجزاء وأَتمّه.
والإمام (رضوان اللَّه عليه) الّذي ما انفكّ يُوصي بهذا العلم ويهتمّ بمريديه ويشجّع على انتشاره في حياته، لم ينس ذلك حتّى في وصيّته الإلهيّة السياسيّة حيث يقول: «إنَّ الاهتمام بالعلوم المعنويّة الروحيّة من قبيل علم الأخلاق وتهذيب النّفس والسّير والسلوك إلى اللَّه تعالى (رزقنا اللَّه وإيّاكم) يُعدّ من الجهاد الأكبر، ومن صميم احتياجات الإسلام العزيز والدّولة الإسلاميّة، ويجب وضع البرنامج اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وإعداد المعلّمين المقتدرين من خيرة أبناء الحوزات العلميّة لتعليم هذه العلوم وتعلّمه» «7».
ومن هنا تظهر أهمّيّة الحديث عن الأخلاق والدّعوة إليها خصوصاً في عصرنا هذا، الّذي طغت فيه الدّعوات المادّيّة الماكرة، وضاعت الفضائل الإنسانيّة النيّرة، وابتعد النّاس رويداً رويداً عن دينهم، وجهلوا صلتهم بخالقهم العظيم غاية الجهل، فوَقعت نتيجة لذك الفجائع العظيمة الثقافيّة وظهرت مظاهر الظلم والاستبداد والتفرقة العنصريّة وعمّت الجهالة وفشت الضلالة.
هذا كلّه لبُعد النّاس عن الأخلاق القويمة وتزكية النفوس وتهذيبها، فلا حياة لنا في هذا العصر ولا سعادة نرجوها ولا خير نأمله إلّا في إعادة أواصل الصّلة باللَّه تعالى وبمبادىء ديننا الحنيف والتمسك بالأخلاق الإلهيّة والعمل بما تستوجبه لإيجاد المدينة الفاضلة وتهيئة مقدّمات الفرج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - مستدرك الوسائل ، 1 / 282 ، أبواب جهاد النفس.
(2) - القلم / 4 .
(3) - الأحزاب / 21 .
(4) - الأحزاب / 33 .
(5) - إحياء علوم الدين ، 1 / 2 ، المقدّمة .
(6) - فاطر / 28 .
(7) - ترجمة الوصيّة الإلهيّة السياسيّة .
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا
الصابئة، بحث تاريخي عقائدي
الاستقامة والارتقاء الروحي
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*