
قال الله جلّ وعلا (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا). (الفرقان: 77).
أولاً: يعبأ به: أي له ثقل ووزن وأهمية، فيهتم به، ويبالى به.
ثانيًا: (مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي)
يحتمل أن تكون (ما) نافية، بمعنى لا يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم.
ويحتمل أن تكون (ما) استفهامية إنكارية، بمعنى (لماذا يعبأ بكم ربي لولا دعائكم) والهدف من هذا الاستفهام هو الإنكار، كما في قوله تعالى (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا)، فقوله سبحانه (أَفَأَصْفَاكُمْ) استفهام يقصد به إنكار حصول ذلك.
ثالثًا: ما يعطيكم وزنًا وثقلاً واهتمامًا عند الله تعالى لولا دعاؤكم.
اختلف المفسرون في معنى (دعاؤكم) في هذه الآية الكريمة.
الرأي الأول: المقصود دعوة الله إياكم من خلال إتمام الحجج البالغة عليكم مثل بعثة الأنبياء والمرسلين والأوصياء وإنزال الكتب السماوية، وغيرها.
فيكون معنى الآية الكريمة: الذي يؤخر نزول العذاب والعقاب على الناس، هو محاولة هدايتهم، وإرجاعهم من الضلال والانحراف والمعاصي، إلى الهدى والاستقامة والطاعة. وهذا يحتاج المزيد من الحجج الإلهية والفرص التي تتيح للعبد التوبة والرجوع إلى ربه، ومن تلك المواسم العبادية شهر رمضان المبارك (هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله) وموسم الحج، وموسم شعائر أهل البيت – عليهم السلام-، ولكن بعض الناس لا يستفيد من جميع هذه المواسم والحجج والضيافات الإلهية والدعوات الربانية، ويصرّ على طغيانه ولهوه، فقد كذّبتم، ولم تؤمنوا بالله، ولم تتوبوا من أفعالكم، ولم تغتنموا الفرص، فيصبح العقاب لزامًا حتمًا -والعياذ بالله-.
الرأي الثاني: (لولا دعاؤكم) أي أنكم تدعون الله تعالى، وهذه الأدعية والتوسلات والتضرعات إلى الله تعالى هي التي تؤدي إلى تأخير نزول العقاب عليكم.
من مؤيدات التفسير الأول (لولا دعوة الله إياكم وإتمام الحجج عليكم):
(أ) قوله (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)، التكذيب المذكور يتناسب أكثر، مع تفسير (دعاؤكم) بمعنى دعوة الله إياكم للهدى والاستقامة، ولكنكم كذبتم الأنبياء والمرسلين، وكذّبتهم باليوم الآخر، ولم تستفيدوا من الفرص الإلهية للتوبة والأوبة. أمّا لو فسّرنا (دعاؤكم) بمعنى الأدعية التي يقرأها الناس، فالدعاء لا يقابله التكذيب.
(ب) المصدر إذا أضيف إلى الفاعل، مثل (قيامك- صلاتك) فظاهر العبارة أنّ القيام والصلاة حاصلان في الواقع. وكذلك (دعاؤكم) ظاهره أنّ (الدعاء) حاصل في الواقع. ولو كانت الآية القرآنية بصدد بيان أنّ جمهور الناس لا يدعون الله سبحانه، لكان المناسب أن يقول نحو (لولا أن تدعوه).
من مؤيدات التفسير الثاني (لولا ابتهالكم لله وتوسلكم بالأدعية):
(أ) الظَّاهر من الآية، هو التَّركيز على العنصر الَّذي ينال به النَّاس اعتناء الله بهم ورعايته لهم، ممَّا يصدر عنهم، لا ممَّا يصدر عنه، تمامًا كما تقول: (لا قَدْرَ لك عندي ولا مكانة لولا فعلك الكذائيُّ)، فالحاصل: أنَّ الدُّعاء هو الَّذي يمنحكم رعاية الله وعنايته بكم، باعتبار ما يمثِّله من الدَّلالة على إيمانكم به وخضوعكم له، ولكنَّكم لم تفعلوا ذلك؛ لأنَّكم لم تلتزموا خطَّ الإيمان، فقد كذَّبتم به وبرسله، وتمرَّدتم عليه، وخضعتم لغيره، ودعوتم سواه، فسوف يكون إبعاده لكم لزامًا؛ لأنَّكم لم تأخذوا بسبب القرب إليه.
(ب) قال الشيخ الطبرسي: (وروى العياشي بإسناده عن يزيد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كثرة القراءة [يعني قراءة القرآن الكريم] أفضل، أم كثرة الدعاء أفضل؟ قال: كثرة الدعاء أفضل، وقرأ هذه الآية). (المصدر: مجمع البيان في تفسير القرآن 7: 317).
سؤال: لماذا الدعاء أفضل قراءة القرآن الكريم؟
الجواب:
أولاً: لعلَّ السَّبب في هذه الأفضليَّة، أنَّ الدُّعاء يمثِّل عمق الإحساس الذَّاتيِّ بالعبوديَّة لله والفقر إليه، وذلك من خلال الإيمان بارتباط حاجاته به في كلِّ شؤون حياته، ما يجعله أكثر قُربًا منه، وأعمق إحساسًا بحضوره في حياته.
ثانيًا: الأفضلية المذكورة لا تعني إهمال التلاوة والاكتفاء بالأدعية، كيف وأهل البيت (عليهم السلام) كانوا يتلون الكتاب في آناء الليل وأطراف النهار.
ثالثًا: للقرآن الكريم دوره الخاص في تثقيف وتبصرة الإنسان بالفكر الإسلاميِّ، وتحديد عناصر النَّجاح والفلاح في الدُّنيا والآخرة.
رابعًا: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). (المصدر: وسائل الشيعة 27: 33).
فلا نجاة من الضلال إلا بالتمسك (بهما) أي الكتاب والعترة، ومن ضمن مظاهر التمسك بالكتاب: تلاوته والتدبر فيه، وفهم ما تيسّر من معانيه، وتطبيق كل ذلك.
معنى (ودق) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
هل قاتلت الملائكة؟
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (2)
محمود حيدر
مناجاة الذاكرين (7): أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك
الشيخ محمد مصباح يزدي
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
عدنان الحاجي
بين الأمل والاسترسال به (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
الإمام الهادي: غربة على شفير السّمّ
حسين حسن آل جامع
سيّد النّدى والشّعر
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (ودق) في القرآن الكريم
هل قاتلت الملائكة؟
أهمّ عشرة اكتشافات علمية في الفيزياء لعام 2025
تزكية النّفس أوليّة مقدّمة على كلّ شيء
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (2)
مناجاة الذاكرين (7): أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك
سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع) (2)
الإمام الهادي: غربة على شفير السّمّ
معنى (سبل) في القرآن الكريم
فينومينولوجيا الغيب، بَداؤها عينُ خفائِها (1)