مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

الصدّيقة الكاملة

عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»[1].

 

«كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد»[2].

 

في البداية لا بد أن نقول إن المثال لا يعترف بالجنس، بمعنى أن المثال الأعلى لو كان مذكراً فلا يحصر أمر الاقتداء به بالرجال وهكذا النساء.

 

خديجة: (إنسان) كامل ولذلك ينبغي أن يقتدي به الرجال والنساء، وهذا ما أشار إليه القرآن عندما ضرب مثلاً: آسية بنت مزاحم، وهي مثال للإنسان الذي يستطيع أن يتغلب على الظروف التي تجبره للكفر أو الانحراف.

 

وعندما يقدم رسول الله خديجة يقدمها مثلاً يقتدى به في محيط النساء والرجال. والحديث عنها متعدد الجوانب رائع، تعدد جوانب الخير فيها وروعتها.

 

كانت تلقّب حتى قبل بعثة الرسول بالطاهرة، وهذا يشير إلى نقطة مهمة، وهي أن التفوق المتأخر لا يمكن أن يأتي بصورة فجائية، بأن يكون شخص في السابق فاسقاً فاجراً وفجأة يصبح من المقربين في قفزة واحدة، فهذا ليس من السنّة الاجتماعية في شيء، وإنما الطبيعي هو أن يكون الشخص لديه مقدمات في نفسه حتى إذا تهيأت لها ظروف السمو والتكامل تكاملت ووصلت.

 

وربما يكون هذا هو المقصود من ما روي أن: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام»[3]. بمعنى أن من يكون في تلك الظروف التي تكثر فيها دواعي الانحراف، فاضلاً وخلوقاً، فإنه يفترض أن يكون في الإسلام أفضل مع وجود الظروف المناسبة والمواتية.. فلو صح هذا الحديث فإنه يمكن توجيهه بهذا المعنى.

 

فإذا كانت في الجاهلية تسمى بالطاهرة، فما ظنّك بها في الإسلام، فكيف إذا صارت زوجة لرسول الله صلى الله عليه وآله؟! خصوصاً أن الجاهلية لم تكن تنظر إلى كثير من الانحرافات نظرة سيئة، فإننا نجد أن مثل أبي سفيان يأتي بشكل واضح ويقول لأحدهم التمس لي بغيًّا[4]. وهكذا كانت بيوت الدعارة، وذوات الأعلام.. فما كانت تلك الانحرافات شيئا ناشزاً، (إلا من وجود بعض المتحنثين، والسائرين على ما تبقى من شريعة إبراهيم الخليل).

 

فلو نظرنا إلى ذلك الوضع، من امرأة مالكة لأمرها، وثرية جدّاً، والجو يساعد على الانحراف، ومع ذلك تأتي في ذلك الوضع وتعرف بلقب الطاهرة.. هذا أمر ينبغي التفكير فيه جدّياً.

 

شاءت إرادة الله أن تكون هذه المرأة الطاهرة، منجبة لأولاد الرسول، كما أشار إليه الرسول في بعض أحاديثه أنه رزقني الله الولد منها وحرمني من غيرها، مع ملاحظة وجود ثمان نساء أخريات له، فيهن الثيّبات والأبكار، ومنهن من أنجب قبل زواجها من رسول الله، أي لم تكن عقيمات، وفيهن من بلغن الدرجات العاليات من الإيمان والخلق، وقد بقين معه فترة طويلة يمكن معها الإنجاب، وكان الرسول يقوم بواجب كل واحدة الزوجي. ولكن هذه خصيصة خديجة وميزتها، والنعمة التي حباها الله بها دون غيرها، أن يكون أبناء رسول الله وذريته منذ ذلك الوقت إلى يوم القيامة، جدتهن الكبرى خديجة.

 

ما هو سبب ذلك؟

 

ينبغي أن نفكر في مقالة النبي «حين كذبني الناس، حين حرمني».. مسألة التوقيت والـ (حين) لها أهمية عالية، وله الأثر الأكبر بحيث لو تقدم أو تأخر ربما لم يكن نافعاً أصلاً، أو لم يكن نافعاً النفع الأكبر، فلو أن شخصاً كان عطشاناً عطشاً يودي به إلى الموت، فهناك لحظة ينفعه وصول الماء حينها، أما لو تأخر هذا الماء عن الحين والوقت المناسب ووصل بعد يوم مثلاً، لما كان نافعاً أصلاً.

 

عندما يأتي للنصرة أحد ولكن بعد كثرة الناس، فهذا وإن كان نافعاً إلا أنه ليس كما تكون النصرة حين القلة والضعف، وخصوصاً أنه في هذا الوقت يكون التراجع وعدم تحمل المسؤولية..

 

لماذا نجد أن يوم الدار يعتبر فضيلة ومنقبة لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام؟ إن ذلك بالنظر إلى الظرف والوقت الذي كان فيه رسول الله، فإنه كان يعيش في مجتمع مكذب، وفي عائلة معارضة لدعوته، ومع أعمام جاحدين – إلا القليل منهم – هنا كان موقف النصرة والاستجابة يعدل مئات المواقف عندما تتغير الظروف.

 

وهذا يختلف عن مجيء النصرة في فتح مكة عندما جاء بعشرة آلاف مقاتل وذلك أنه {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}[5].

 

إن خديجة في ذلك الحين الذي بدأ فيه الدعوة وقد كانت كل المؤشرات في غير صالح الرسول، قامت هي باختيار الرسول زوجاً قبل هذا الحين بفترة كافية (نؤكد على أنها اختارت النبي) وذلك من كمال عقلها الذي أشير إليه في بعض الروايات أنه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: إحداهن خديجة بنت خويلد.

 

ثم تصب بين يديه كل أموالها في سبيل نصرة دعوته.. وتكون له درعاً حامياً.

 

وهنا نشير إلى قضية وهي: أن أصحاب الدعوات يحتاجون إلى أمرين: حماية خارجية، وسكن نفسي ومن دون هذين العنصرين ستتعقد أمورهم.

 

وقد توفر كلا الأمرين لرسول الله، قام بالأول أبو طالب، فصد عنه المشاكل والهموم، والتحديات والإهانات، بل كان يتحدى كل القرشيين لو قاموا بتهديد رسول الله، ولذا نقل أن أبا طالب لما توفي أمر النبي بالخروج من مكة فإنه لم يبق له فيها ناصر.

 

والأمر الآخر، هو السكن النفسي والهدوء الداخلي، فمتى فقده الإنسان – صاحب الدعوة – فإن مهمته تتعقد، ولذا أشار القرآن إلى نبي الله لوط ونوح، وأن نساءهما خانتاهما،– والخيانة هنا – لا تعني الخيانة الجنسية وإنما الخيانة في الدعوة وعدم الإيمان بها، بل التعامل مع المجتمع المحيط ضد النبي كما ورد في بعض روايات قصة نبي الله لوط وأنه لما جاءته الملائكة عمدت زوجته إلى إخبار المجتمع الكافر بوجود أغراب في ضيافته!.

 

توفر لرسول الله هذا السكن النفسي مع خديجة بحيث ملأت حياته، ولذا عاش معها حوالي خمس وعشرين سنة ولم يتزوج عليها امرأة أخرى! حتى إذا رحلت خديجة تزوج بثمان نساء، ولم يقمن بأجمعهن مقام خديجة.. حتى لقد أثار ذلك بعض نسائه غيرة، وذكرتها بما لا يليق وأن الله قد أبدله خيرًا منها! مما أغضب رسول الله غضبا شديداً، فقال: ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني الله الولد منها وحرمت من غيرها.

 

نقطة أخرى: وهي أن خديجة لم تكن من ذرية النبي صلى الله عليه وآله – نسباً – مثل فاطمة أو الحسن والحسين، ومع ذلك فإنها وصلت إلى ما وصلت إليه من المنزلة والشأن، وما ذلك إلا لأنها (آمنت بي) و(صدقتني) و(واستني) وهذه كلها أفعال اختيارية أوصلتها إلى ما وصلت إليه. وهذا الباب مفتوح لمن أراد دخوله لينضم بذلك إلى مستوى العظماء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). فضائل الصحابة – النسائي– ص 76

(2). تفسير الثعلبي - الكشف والبيان عن تفسير القرآن 9/‏353

(3). ذكره الإمام الشافعي في كتاب الأم 1/ 189 مرويًّا عن الرسول أنه قال: تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وشبيه بهذا اللفظ أورده الشيخ الكليني في الكافي 8/ 177 في حديث مرفوع عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل.

(4). ذكره ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 19/ 173 فقال: وكان أبو سفيان صار إلى الطائف فنزل على خمار يقال له أبو مريم السلولي وكانت لأبي مريم بعد صحبة فقال أبو سفيان لأبي مريم بعد أن شرب عنده قد اشتدت به العزوبة فالتمس لي بغيّا! قال: هل لك في جارية الحارث بن كلدة سمية امرأة عبيد؟ قال هاتها على طول ثدييها وذفر إبطيها فجاء بها إليه فوقع لها فولدت زيادا فادعاه معاوية.

(5). الحديد: من الآية 10

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد